غموض وإستفهات حول تسير الملاعب الجديدة
على الرغم من مرور عشر سنوات من اعتماد الاحتراف، لا تزال كرة القدم الجزائرية تتخبط في مشاكل كثيرة وتواجه معضلة حقيقية، تتعلق أساسا بغياب الملاعب والنقص الفادح في المنشآت الرياضية، مما تسبب بشكل مباشر في عرقلة تطويرها وتشويه سمعتها…
الأمر الذي دفع باتحاد اللعبة إلى التدارك ومحاولة تصحيح المسار من خلال رفع تقارير متكررة للوزارة الوصية تلخص الحالة الكارثية التي تعيشها كرة القدم في بلادنا.
باعتبار أن الاحتراف لم يشمل إلا صيغة اللاعبين دون باقي الأمور الاقتصادية والتنظيمية كما هو متعارف عليه دوليا وهو ما أدى إلى إستمرار نظام أعرج هجين.
ولعل النقطة السوداء التي طفحت على سطح الإحتراف وفرضت نفسها بقوة تتجلى في الإفتقار إلى ملاعب مهيأة لمزاولة أي نشاط رياضي باستثناء ملعب “5 جويلية 1962” الذي يعاني هو الأخر من عدة نقائص…، ومن هذا المنطلق ارتأينا مواكبة الموضوع من خلال منظورنا وحاولنا التطرق إلى النقاط التالية:
- ماهي أبرز معوقات الاحتراف في الجزائر، كذلك الدعم الذي قدمته وزارة الشباب والرياضة لهذه اللعبة.
- وماهي ميكانيزمات المتبعة لحماية المنشآت الرياضية من شغف الجماهير؟.
السلطة تتبنى والأندية خارج التغطية
تمر الساحرة المستديرة في بلادنا بمرحلة انتقالية بعد تبني نظام الاحتراف موسم 2010/ 2011 وما صاحبه من صعوبات تتعلق أساسا بغياب التمويل الرياضي وعزوف الشركات العمومية والخاصة عن تقديم الدعم، مما جعل الأندية تعيش على وقع أزمات متكررة باتت تهدد وجودها على الساحة نتيجة لفشلها في إيجاد مصادر تمويل دائمة تستطيع من خلالها تسديد ديونها والانفاق على لاعبيها.
وبالرغم من أن هذه الضائقة المالية ليست وليدة اليوم، إلا أنها أصبحت هاجس لبعض الفرق التي قررت المقاطعة عدة مرات والتصعيد، باعتبار أنه هناك عدة أندية استفادت من امتيازات حكومية -تمويل سونطراك- وتصرف بأرياحية، بينما يتخبط البعض في الديون وعاجز عن تسديد رواتب لاعبيه أو إبرام صفقات تعاقدية.
أنـدية محتــرفة بفــكر هـــاوي
وبالنظر إلى أن الاحتراف نظام فرض نفسه في المجال الرياضي، فإنه يحتاج إلى الكثير من المتطلبات، وبما أن الدوري تحول إلى “الرابطة المحترفة” التي تحيل بوجود احتراف من الطراز الرفيع بعد تجربة اللاهواية، يفترض أن تكون النوادي قد فهمت ذلك، إلا أن الواقع عكس ذلك وتبين للجميع أن فرقنا بعيدة كل البعد عن البنود المتفق عليها ودفتر الشروط، حيث أنها فشلت في توفير حد أدنى من المداخيل التي تمكنها من مواجهة الصعوبات المالية، باعتبار أن هذا الحد يشكل شرطا للدخول الى عالم الاحتراف.
ففي فرنسا مثلا التي تعد مرجعا في الكثير من الأمور وضعت شروطا لمرور فرقها من القسم الهاوي إلى المحترف في مقدمتها أن يكون النادي قد حقق عائدات محترمة تعتمد أساسا على ثلاث نقاط حسب ما توصلت له دراسة أعدت سنة 2016 حول الليغ 1 فإن مداخيل فرقها تتوزع كما يلي:
عائدات البث التلفزي قاربت 57٪ من مداخيل الأندية هناك بينما بلغت العائدات التجارية 20 ٪، وتجاوزت عائدات بيع التذاكر 13٪، في حين لم تتخطى الهبات 4٪، على عكس ما هو معمول به في الجزائر، فالأندية وخاصة الصغرى منها فهي تعول أساسا على الهبات ومساعدة رجال المال والأعمال والسلطات المحلية.
هذا التفكير جعل الأندية في حالة ترقب مستمر للمحسنين وعاجزة عن إيجاد بديل ضاربين بذلك قرار الدولة بتحويل النوادي إلى شركات رياضة بالاسهم بغية تحقيق أرباح عرض الحائط والأدهى من ذلك
فبينما تحقق الأندية المغاربية ألقابا قارية وتبسط سيطرتها، فإن سفراء كرتنا يكتفون بلعب الأدوار التمهيدية ويسوقون لكل ما هو سلبي ويقدمون أسوء صورة عن الاحتراف والتسيير، وأصبحت عنوانا للمهازل التي عادة ما يكون أبطالها مسيرون ولاعبون ارتبط اسمهم بفضائح الكولسة والمراهنات وترتيب المباريات وملء الجيوب بالمال الفاسد على حساب عراقة الفريق الذي يذهب ضحية هذه التلاعبات، دون أن ننسى قضية “الكوكايين” التي باتت تنخر الكرة الجزائرية وفضائح آخرى أخلاقية بالجملة.
لذلك وجب على الدولة في ظل هذه المعطيات، رفع يدها عن هذه النوادي ووضع قانون واضح صريح يمنع تقديم الاعانات المادية للفرق وجعلها تتحمل المسؤولية كاملة، فمن أراد التقدم وجب عليه عمل مشروع خاص به كما هو معمول به في نادي بارادو الذي كان الاستثناء واستطاع أن يحقق أرباحا من منتوجه الخاص دون الحاجة إلى ممولين أو إعانات حكومية.
فنادي بارادو المملوك لعائلة زطشي ورغم حداثته مقارنة بالنوادي التي تتغنى بالاقدمية والعراقة تمكن في فترة لم تتجاوز 10 سنوات أن يكتسب سمعة عالمية ويصدر عدة مواهب لفرق أوروبا في مقدمتهم بن سبعيني ويوسف عطال وكذلك بوداوي ونعيجي وكثيرون…، فبفضل سياسة تكوينه القاعدي فاقت عائداته 80 مليار سنتيم الصيف الماضي.
الأندية عاجزة والدعم الحكومي مطلوب
عجز الأندية ماليا وانعكاسه على الأداء والنتيجة جعلها تحاول تغطية انتكاساتها وتجديد ندائها للسلطات للتخفيف من معاناتها، حيث اشتكت مرارا وتكرار من الملاعب التي تعاني من أزمة حقيقية لها جانبين، أولهما ضغط اللعب اليومي على مستوى البطولة المحلية، فيما تعلق الجانب الآخر بالأرضية المهترئة خاصة في فصل الشتاء، أين تغمر الأمطار الأرضية تماما، مما يؤدي لضرب انتظام جدول المباريات وارباك المسابقة، فحتى المنتخب الوطني هو الآخر لم يسلم من هذا الإشكال الذي بات يشكل له احراجا أمام منافسيه، فلا يعقل بلد بحجم قارة لا يملك ملعب يليق بسمعة بطل أفريقيا، والأغرب من ذلك …هناك أندية لا تمتلك ملعبا تستقبل فيه، ناهيك عن العشب الاصطناعي ومشاكل الحفر الأمر الذي جعلها غير صالحة لممارسة كرة القدم بل لا تليق حتى أن تكون ميدان للفروسية، لأن أغلبها لا تتوفر فيه أدنى شروط اجراء مقابلة رياضية، حيث شيدت في فترة السبعينات والثمانينات وتعتبر ذات سعة محدودة ولا تستوعب العدد الحقيقي للمشجعين، كما أنها لا تواكب التطورات التي طرأت على تصميمات الملاعب العالمية خاصة من حيث الجانب الأمني وسلامة الأنصار.
ملاعب بالمليارات والأشغال بسرعة السلحفاة
أمام فشل الأندية في احتواء أزماتها، و اكتفائها بدفع مبالغ ضخمة للاعبيها دون التفكير في إنجاز مركز تدريبي على الأقل كما هو عليه الحال في الدول الجارة، تيقن القائمون على شؤون الرياضة في البلاد أن أنديتنا يستحيل أن تكون في المستوى المطلوب، لذلك حملت الدولة على عاتقها مسؤولية إقامة ملاعب جديدة “ملعبي براقي ودويرة، تيزي وزو، و وهران” وترميم أخرى بتكلفة مالية ضخمة تجاوزت 1,5 مليار دولار استفادت منها “المافيا” المكلفة بالأشغال قبل الشباب، بعدما أخلفت الشركات المكلفة بالأشغال في التسليم في الوقت المحدد وسمحت الدولة بالتمديد، حتى أنه هناك ملاعب تجاوزت فترة إقامتها 14 سنة.
إقتراب موعد التسليم ومخاوف من التخريب
وفي ظل الغموض الذي يكتنف طريقة تسير هذه الملاعب الجديد، يعود ملف العنف إلى الواجهة من جديد، لأن المشاهد المروعة والفظيعة، التي تشهدها ملاعبنا كل أسبوع وعلى كافة الأقسام باتت تشكل صورة قاتمة عن الكرة الجزائرية وتلقي بظلالها على السير العادي للمنافسات كل موسم، فمن وجهة نظرنا فإن حل هذه المعضلة والحفاظ على سلامة المنشآت التي صرف عليها الملايير لا يجب أن يقتصر فقط على الإجراءات الأمنية أو الزجرية بل يتوجب إطلاق برامج فاعلة طويلة الأمد للتوعية والتأطير بإشراك كافة المتدخلين دون إقصاء.
وبما أن الإجراءات المتخذة خلال المواسم الماضية لم تجد نفعا، يتبين أن المشكلة أكبر وأعمق مما نتصور، بدليل أن أعمال الشغب في تزايد ملحوظ وتطور مخيف، وبالتالي بات لزاما على القائمين على شؤون كرة القدم الضرب بيد من حديد ومحاسبة المسؤولين بالتنسيق مع كافة الأطراف المعنية لإيجاد حلول تطبيقية وليس نظرية ومن بين الحلول التي يمكن أن تعطي نتائج إيجابية حسبنا:
- وضع البطاقة الوطنية للأشخاص الممنوعين من دخول الملاعب وتحيينها، بهدف تعزيز الإطار القانوني الذي يحد من ظاهرة العنف ويحمي المنشآت والممتلكات.
- وضع قواعد ثابتة ومعلنة للعقوبات التي يتم توقيعها على الجماهير في حالة قيامها بأعمال تخريبية.
- محاسبة جميع الأطراف المسؤولة دون إقصاء مهما كانت صفتها ومنصبها.
- تغريم النادي “لاعب، مسير، أنصار..” المتسبب والزامه بتصليح ما تم تخريبه وتوقيع أقصى عقوبة حتى يكون عبرة وتغليظ العقوبة في حالة التكرير.
- إنشاء وحدة خاصة مهمتها تأمين الملاعب.
- إستخدام التكنولوجيا الحديثة ككاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار للكشف عن المواد الممنوعة من الدخول.
- تفعيل دور الإعلام وإلزامه بالقيام بدوره التوعوي وإجباره على الابتعاد عن المواضيع المحرضة على الانتقام والكراهية.
- إنشاء النوادي لقواعد بيانات تحتوي على البيانات الخاصة للمشجعين لكل نادي.
- قيام النوادي بدورها وعقدها لإجتماعات مع روابط المشجعين لحثهم على نبذ العنف.
- توفير أجهزة حديثه للحكام مثل “الفار” حتى لا يقع حكم الميدان في الخطأ.
وتبقى هناك الكثير من الإجراءات التي يجب أن تتبع وتفرض علينا لأن حماية المنشآت الرياضية والممتلكات مسؤولية الجميع وليست الدولة فحسب.
[…] السعادة كما يلقبه الكثيرين. فتح النار على القائمين على تسيير و تهيئة ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة. الذي يلعب به المنتخب الوطني […]