العنف يضرب مجددا..والسلطات عاجزة عن المواجهة
تشهد الملاعب الجزائرية موجة من أعمال الشغب والعنف والعنصرية مع إنطلاق كل موسم كروي، وتصاعدت وتيرة هذه الأعمال بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة وتجاوزت حدود المعقول ولم تتوقف عند الممنوع، بل تعدت إلى حالات لا أخلاقية وأحداث لا تعكس الروح الرياضية والحس الإنساني لدى الجماهير في استعمالهم لمختلف الطرق والأساليب غير المشروعة وممارستهم لمختلف السلوكيات العدوانية المحظورة من ضرب وقتل وتنكيل وحرق وتكسير وتخريب راح ضحيته الكثير من العزل سواء الجمهور العاشق لكرة القدم أو لاعبين ورجال إعلام وممتلكات عامة وخاصة، وأقرب مثال ما عرفته مواجهة الأمس بين وفاق سطيف ومضيفه أهلي برج بوعريريج ضمن ذهاب الدور ربع النهائي من منافسة كأس الجمهورية على ملعب الأخير أين قامت الجماهير بأعمال تخريبية كبيرة راح ضحيتها أشخاص وممتلكاتهم وكذا المرافق العامة.
أســـــباب العنــف في المــــــلاعب العنف
يبدأ في الأذهان قبل أن يصل إلى الأبدان، وللعنف أسباب متعددة ومتداخلة، أهمها وجود احتقان اجتماعي خصوصا لدى الفئات الشابة، وهذا الاحتقان أو الكبت الاجتماعي يتم ترجمته إلى العنف، سواء اللفظي (سب وشتم وهتافات عنصرية معادية) أو الرمزي (لافتات و الكاريكاتور)، وهو ما يظهر جليا في الملاعب الرياضية.
وبالإضافة إلى الاحتقان الاجتماعي هناك عامل آخر يتمثل في عدم وجود ثقة بين المجتمع وبين الدولة، حيث تسود نظرة سلبية تجاه بعض المؤسسات، لتصبح الملاعب متنفسا لتفريغ هذه المشاعر السلبية، والتي تتحول في بعض الأحيان إلى أعمال عنف وشغب.
كما هناك عوامل تعد ثانوية لكنها بمثابة الشرارة التي تشعل الملاعب، مثل اللاعبين وجهلهم بقواعد اللعب النظيف وخروجهم عن القوانين والاعتراض على الحكام مما يثير الجماهير.
وكذلك الحكام لهم يد في ذلك نتيجة إنحيازهم وتعاطفهم مع فريق معين وتسير اللقاء بما يخدم الطرف المتفق معه.
ورجال الإعلام من خلال بعض الكتابات والتحليل غير الإحترافي واتباع أسلوب الإثارة في استعمالهم لمصطلحات عدائية ضد الفريق المنافس وتصوير اللقاء على أنه حرب لا تقبل القسمة على اثنين كــا ” بالكلاش في الحراش ما تفراش، ملعب الموت، ” وغيرها من الكتابات التي تزيد من حماس الحضور وتأجيج مشاعره وبالتالي خروج اللقاء عن إيطاره الرياضي ووقوع الكارثة.
وهناك أيضا عوامل أخرى لا تقل شأنا عن العوامل الأولى، كا الاداريين والمدربين ورجال الأمن وما يصدر عنهم من تصرفات لا رياضية ينجر وراءها الجمهور الحاضر في المدرجات.
موقف الرابطة والدولة من أعمال العــنف أن أحداث العنف التي شهدتها مدرجات ملاعبنا مؤخرا، قدّمت دليلا واضحا على فشل الإستراتيجية المتبعة على المستوى الرياضي، واصبحت عاملا مساعدا على انتشار الظاهرة، خاصة بعد رفع الرابطة الراية البيضاء وإعترافها بفشل سياستها المعتمدة لأنها وصلت إلى قناعة مفادها عقوبة اللعب دون جمهور ليست الحل الأنسب لإيقاف غضب الجماهير، لأن مشاهد العنف لطالما تكررت مع الأندية التي تعرضت لهذه العقوبة.
وما يزيد الطين بلة تعامل الرابطة مع الموضوع بكل برودة واحيانا بسياسة الكيل بمكيالين من خلال تسليطها عقوبات على أندية والتغاضي عن أندية أخرى، مما يعد دافعا للجمهور للانتقام والتصعيد بعد أن هيج هؤلاء المسؤولين الأجواء، فيكون الجمهور أول الضحايا والممتلكات العامة والخاصة ثانيها.
وبما أن القوانين غير صارمة والإجراءات المتخذة ولدت عنفا مضادا والمعالجة الأمنية أثبتت فشلها، لابد من تظافر الجهود وإعادة النظر فيما هو معمول به، وذلك من خلال اتخاذ قرارات ردعية من شأنها الحد من هذه الظاهرة التي حولت الملاعب الجزائرية إلى ساحات حرب ومعارك بين المشجعين المتعصبين، وتسليط أشد العقوبات على المتسببين في العنف، وتغيير خارطة الطريق بخصوص التعامل مع هذه الظاهرة، وكذا إرغام الرابطة على تطبق القوانين بجدية دون محاباة.
ميكانيزمات الحد من ظاهرة العنف في الملاعب
تجاوزت أعمال العنف في الملاعب الجزائرية كل الخطوط الحمراء، ولم تنجح الاجراءات القانونية والردعية في الحد من الظاهرة التي تتنافى مع الروح الرياضية لذلك ارتأينا إلى اقتراح عدة حلول قد تساعد على الحد من الظاهرة ومنها :
تطبيق القانون كما نص عليه المشرع، خاصة وأن مواده واضحة وتجرم أعمال العنف والشغب، إصدار عقوبات رادعة في حق المتورطين فيها والمحرضين عليها، سواء ما تعلق بالهتافات أو الشعارات والخطب إضافة إلى الصور والمنحوتات وغيرها من الأفعال الصبيانية التي تؤدي إلى شغب الملاعب.
عدم التسامح مع الأندية التي تتكرر فيها أعمال العنف وضربها بيد من حديد وإسقاطها إلى الاقسام السفلى ومنع المتسببين فيها من مزاولة النشاط الرياضي، حتى تكون عبرة لباقي الفرق.
محاسبة ومساءلة منظمي التظاهرات الرياضية الذين لم يتخذوا التدابير المفروضة لمنع أعمال العنف أثناء المباريات، بداية من إدخال الممنوعات وصولا إلى القيام بالفعل الإجرامي.
عدم تشديد الخناق ولكان مراقبة الروابط التشجيعية “الألتراس” لأنها كثيرا ما تكون وراء أحداث العنف بسبب التعصب لأفكارها ومعتقداتها، مثل التغني بشعار ” رابحين قاتلينكم ….خاسرين قاتلينكم” و “الدخلة دخلتوا والخرجة منين” إضافة إلى عجزها عن تأطير المشجعين وربط السياسة بالرياضة والتشجيع المباشر عن التمرد على السلطة.
لذلك يجب تطهير هذه اللجان من الدخلاء وفسح المجال أمام المربين والعقلاء.
تفعيل دور الأندية في توعية أنصارها من خلال تذكيرها بالعواقب الوخيمة التي تنجم عن العنف وحثهم على المحافظة عن المكاسب وكذا إحترام اللوائح والتنظيمات وذلك من خلال الاتصال المباشر والدوري بين الاعضاء المنتسبين للنوادي وأنصاره ومحبيه.
تأمين الملاعب الرياضية ومراقبة المنشآت بصورة دورية والوقوف على مدى مطابقة الملاعب للمعايير المعمول بها والتأكد من صحة المنافذ ووجود الأمن.
تنمية الوعي والحس الرياضي عند الجماهير من خلال الوسائط المختلفة الرسمية وغير الرسمية.
تذكير الوسائل الإعلامية بخطها الافتتاحي وأخلاقيات المهنة وحثها على معالجة القضايا الشائكة وإيجاد الحلول لا التصعيد والتهويل الذي ينجم عنه أعمال لا رياضية تمس بسلامة الجمهور والمرافق وكذلم قد تتسبب للجزائر في عقوبات كبيرة من قبل الاتحاد الدولي للعبة.